فصل: الحديث الخَامِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع:

عَن ابْن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا حق امْرِئ لَهُ مَال يُرِيد أَن يُوصي فِيهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «مَا حق امْرِئ مُسلم لَهُ شَيْء يُرِيد أَن يُوصي فِيهِ».
وَفِي لفظ: «لَهُ شَيْء يُوصي فِيهِ، يبيت لَيْلَتَيْنِ».
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «ثَلَاث ليالٍ، إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده».
وللبيهقي وَالْبَزَّار: «مَال» بدل «شَيْء».
وَله- أَعنِي: الْبَيْهَقِيّ- «لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ»، وَعَزاهُ إِلَى مُسلم.
وَللشَّافِعِيّ: «مَا حق امْرِئ يُوصي بِالْوَصِيَّةِ، وَله مَال يُوصي فِيهِ، يَأْتِي عَلَيْهِ ثلاثُ ليالٍ..» الحديثَ.
وَلأَحْمَد: «مَا حق امْرِئ يبيت لَيْلَتَيْنِ، وَله مَا يُرِيد أَن يُوصي فِيهِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده».
وَادَّعَى ابْن دَاوُد- من أَصْحَابنَا- أَنه جَاءَ فِي رِوَايَة: «ووصيته مختومة عِنْده». وَفِي أُخْرَى: «مَكْتُوبَة تَحت رَأسه» وَفِي الْوَسِيط: «عِنْد رَأسه». وَكله غَرِيب.
تَنْبِيه: حمل بَعضهم هَذَا الحَدِيث عَلَى مَنْ عِنْده أمانات النَّاس، أَو عَلَيْهِ دُيُون لَهُم؛ فَتلْزمهُ الْوَصِيَّة بذلك، وَهُوَ حسنٌ، وَيحْتَمل غير ذَلِك، كَمَا ذكره الرافعيٌّ عَنِ الشَّافِعِي، وَقد ذكرتُه عَنهُ فِي شرح العُمْدة فليراجعْ مِنْهُ.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «حقٌّ عَلَى كلِّ مسلمٍ أَن يغْتَسل فِي الْأُسْبُوع مَرَّةً».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «حقُّ للَّهِ عَلَى كلِّ مسلمٍ أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا، يغسل رَأسه وَجَسَده».
وَأخرجه النَّسَائِيّ بإسنادٍ عَلَى شَرط الصَّحِيح وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «عَلَى كلِّ رجلٍ مسلمٍ فِي كل سَبْعَة أَيَّام غسل يومٍ وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة».

.الحديث السَّادِس:

عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «أفْضَلُ الصَّدَقَة أَن تصدَّق وَأَنت صحيحٌ شحيحٌ، تَأمل الغِنَى وتَخْشى الفقرَ، وَلَا تمهل حَتَّى إِذا بلغت الْحُلْقُوم قلت لفلانٍ كَذَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قيل لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الصَّدَقَة أفْضَلُ؟ قَالَ: أَن تصدَّق وَأَنت صَحِيح شحيحٌ، تَأمل الْغِنَى وتخشى الفقرَ، وَلَا تَدَعْ حَتَّى إِذا بلغتِ الْحُلْقُوم قلتَ: لفُلَان كَذَا، وَقد كانَ لفلانٍ». وَفِي لفظ: «ولفلانٍ كَذَا».
وَلمُسلم: «تَأمل الْبَقَاء».
وللبخارى: «صحيحٌ حريصٌ».
وَلأبي دَاوُد: «وَلَا تمهل».
وَلابْن مَاجَه: «تَأمل الْعَيْش وَتخَاف الفقرَ، وَلَا تمهل حَتَّى إِذا بلغتْ نَفْسُك هَاهُنَا قلتَ: مَالِي لفلانٍ، وَمَالِي لفلانٍ. وَهُوَ لَهُم وَإِن كرهتَ».
وللبخاري: «يَا رَسُول الله، أَي الصَّدَقَة أعظم أجرا؟.....» فَذكره.
وَلمُسلم: «أما وَأَبِيك لَتُنَبَّأَنَّهُ....» فَذكره.

.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي كل كبدٍ حرى أجرٌ».
هَذَا الحَدِيث ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة الرجل الَّذِي سَقَى الكلبَ مِنْ خُفِّه، لَكِن بِلَفْظ: «رطْبة» بدل «حرى».
وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَن بَغِيًّا سَقَتْهُ فِي مُوقها- يَعْنِي: خُفَّها-: فغفر لَهَا».
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث سراقَة بن مَالك بألفاظٍ: «فِي الكبد الحارَّة أجرٌ». و«فِي كل كَبْدٍ حرى سَقَيْتَهَا أجرٌ». و«فِي كل ذاتِ كبدٍ حرى. أجرٌ».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه وابْنُ حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث سراقَة بن جُعْشُم، وهُوَ هُوَ نِسْبَة إِلَى جده: «سألتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ضَالَّة الْإِبِل تغشى حياضي قد لطتها لإبلي، فَهَل لي من أجْرٍ إنْ سقيْتُها؟ فَقَالَ: نعم، فِي كل ذَات كبدٍ حرى أجرٌ».
هَذَا لفظ ابْن مَاجَه، وَلَفظ ابْن حبَان نَحْوه. وَرَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أحمدُ في مُسْنده أَيْضا، فَقَالَ عَن سراقَة بن مَالك بن جُعْشُم، وَكَذَا الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمته.
وَله طَرِيق ثَالِث: من حَدِيث الْقَاسِم بن مَالك بن مخول السّلمِيّ: «قلت: يَا رَسُول الله، الضَّوَال تَرِدُ علينا؛ هَل لنا أجرٌ أَن نسقيها؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي كل كبدٍ حرى أجرٌ».
رَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي، وَاقْتصر عَلَيْهِ صَاحب الْإِلْمَام.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث الْقَاسِم بن مخول عَن أَبِيه رَفعه: «فِي كل ذَات كبدٍ حرى أجرٌ».
وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن مسمول فِيهِ خلف.
وَله طَرِيق رَابِع: من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رجلا جَاءَ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: «يَا رَسُول الله، إِنِّي أنزعُ فِي حَوْضِي حَتَّى إِذا ملأتُه لإبلي وَرَدَ عليَّ البعَِيْرُ لغيري فسقيتُه؛ فَهَل لي فِي ذَلِك من أجر؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي كل ذَات كبدٍ حرى أجْرٌ».
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن هَارُون بن مَعْرُوف، ثَنَا عبد الله بن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي أُسَامَة، أَن عَمْرو بن شُعَيْب حدَّثه عَن أَبِيه، عَن جده...... فَذكره.
وَذكره ابْنُ السكن فِي صحاحه من هَذَا الْوَجْه، وَكَذَا أَبُو نُعَيْم، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه.

.الحديث الثَّامِن:

رُوي أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ للْقَاتِل وَصِيَّة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من رِوَايَة بَقِيَّة بن الْوَلِيد، ثَنَا مُبشر بن عبيد، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن الحكم بن عتيبة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عليٍّ مَرْفُوعا بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَاد واهٍ بِاتِّفَاق الْحفاظ، بَقِيَّة عرفتَ حَاله فِيمَا مَضَى، وَقد رَوَاهُ عَن ضَعِيف وضَّاع وَهُوَ مُبشر بن عبيد وحجاج ضَعِيف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ مُبشر بن عبيد وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى وضع الحَدِيث، وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا الحديثَ لتعرف رواتُه. وَكَذَا قَالَ فِي خلافياته وَقَالَ أَبُو أَحْمد: هَذَا حَدِيث مُنكر؛ لَا يرويهِ عَن عاصمٍ غير حجاج، وَلَا عَن حجاج غير مُبشر.
قلت: وَكَأن هَذِه طَرِيق أُخْرَى، وَضَعفه أَيْضا عبد الْحق؛ قَالَ: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده ضَعِيف. وضَعَّفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه أَيْضا لَكِن بالحجاج وَحده، وَلَيْسَ بِجَيِّد، فتضعيفهُ بمبشر- هَذَا الوضَّاع- أَوْلى، وَقَالَ ابْن الصّباغ- من أَصْحَابنَا-: هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه عَن أهل الحَدِيث. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي نهايته: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ عَلَى الرُّتْبَة الْعَالِيَة فِي الصِّحَّة، فَالصَّحِيح: «لَا وَصِيَّة لوارثٍ».
قلت: وَلَا عَلَى الرُّتْبَة المتوسطة، بل وَلَا فِي أصل الصَّحِيحَة، بل هُوَ واهٍ جدًّا، بل الظَّاهِر أَنه مَوْضُوع.

.الحديث التَّاسِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا وَصِيَّة لوَارث». وَذكره الرَّافِعِيّ بعد بِلَفْظ آخر، وَهُوَ: «إِن الله قد أعْطى كل ذِي حقٍ حَقَّهُ، أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث».
هَذَا الحَدِيث يُرْوَى من طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي خطبَته عَام حجَّة الْوَدَاع: «إِن الله قد أعْطى كلَّ ذِي حقٍّ حقٍّه، فَلَا وَصِيَّة لوَارث»
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه وَالتِّرْمِذِيّ فِي جامعه ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن شُرَحْبِيل بن مُسلم، وَهُوَ حِمْصيّ من أهل الشَّام، وَقد أسلفنا ذَلِك فِي بَاب الضَّمَان وَغَيره.
ثَانِيهَا: من حَدِيث عَمرو بن خَارِجَة قَالَ: «خطب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى نَاقَته وَأَنا تَحت جِرَانهَا وَهِي تَقْصَعُ بجرتها وَإِن لُعَابهَا يسيل بَين كَتِفي، فَسَمعته يَقُول: إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حقَّه، فَلَا وَصِيَّة لوَارث».
رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح.
قلت: وشهر بن حَوْشَب هَذَا تَرَكُوهُ- أَي: طعنوا فِيهِ- وَمن جملَة مَا أُنكر عَلَيْهِ مَا قَالَه فِي هَذَا الحَدِيث عَن عَمرو بن خَارِجَة: «أَنه كَانَ تَحت جران نَاقَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
والجران: بطن الْعُنُق مِمَّا يَلِي الأَرْض، وَأَيْنَ يصل عَمرو إِلَى ذَلِك؟ وَهَذَا مُجَرّد استبعاد، وَهُوَ مُمكن.
وَرَوَاهُ لَيْث بن أبي سليم، عَن مُجَاهِد، عَن عَمرو بن خَارِجَة هَذَا: «فَلَا تجوز وَصِيَّة لوَارث».
قلت: وَرَوَاهُ همام وَالْحجاج بن أَرْطَاة وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله المَسْعُودِيّ وَالْحسن بن دِينَار وغيرُهم عَن قَتَادَة، فَلم يذكرُوا ابْنَ غُنْم.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن الْمُبَارك، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن قَتَادَة، عَن عَمرو، فأسقط شهْرًا وابْنَ غنم، لَكِن الظَّاهِر إرْسَاله؛ فَإِن أَحْمد بن جنبل قَالَ: مَا أعلم قتادةَ سمع مِنْ أحدٍ من الصَّحَابَة إِلَّا من أنس.
ثَالِثهَا: من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «إِنِّي لتحْت نَاقَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسيل عليَّ لُعَابهَا؛ فَسَمعته يَقُول: إِن الله أعْطى كلَّ ذِي حق حَقه، أَلا لَا وصيةَ لوَارث».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن هِشَام بن عمار، عَن مُحَمَّد بن شُعَيْب، عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أنس بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، وَالظَّاهِر أَن سعيد بن أبي سعيد هُوَ المَقْبُري المُجْمع عَلَى ثقته، وَبِه صرَّح ابْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه وَكَذَا الْمزي.
وَالْبَيْهَقِيّ رَوَاهُ من طَرِيق عمر عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ الْوَلِيد بن مزِيد، عَن ابْن جَابر، عَن سعيد بن أبي سعيد- شيخ بالسَّاحل- قَالَ: حدَّثني رجل من أهل الْمَدِينَة قَالَ: «إِنِّي لتَحْت نَاقَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» فَذكره.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوي من أوجه ضَعِيفَة، فَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى ضعف الطَّرِيق الْمَذْكُور، وَلَعَلَّه يرَى أَن سعيد بن أبي سعيد الشاميَّ لَا المَقْبُري. وَقد ذكر ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَة المَقْبُري: أَنه قَدِمَ الشامَ مرابطًا، وحدَّث ببيروت، وَسمع مِنْهُ بهَا عَبْدَ الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر.
وفرَّق الخطيبُ فِي كِتَابه الْمُتَّفق والمفترق بَين المقبريِّ المدنيِّ وَبَين الَّذِي حدَّث ببيروت وَلَيْسَ بجَيِّد، فعلَى مَا قَالَه ابْن عَسَاكِر عِلّة الحَدِيث جَهَالَة الرجل من أهل الْمَدِينَة، وَبِه صرَّح الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله وَالظَّاهِر أَنه من تَقْصِير بعض الروَاة، وَإِنَّمَا هُوَ أنس.
وَذكر الْخَطِيب فِي هَذَا الْكتاب أَن الشاميَّ يروي عَن أنس، وَخَالف ابْن الْجَوْزِيّ فَذكر فِي تَحْقِيقه مَا أسلفناه عَن البيهقيِّ، ثمَّ قَالَ: الساحليُّ مَجْهُول. وَقد علمتَ مَا فِيهِ.
ولمَّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق الشَّافِعِي عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن سُلَيْمَان الْأَحول، عَن مُجَاهِد أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا وَصِيَّة لوَارث» قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: وَرَوَى بعض الشاميين حَدِيثا لَيْسَ مِمَّا يُثْبته أهلُ الحَدِيث، فَإِن بعض رِجَاله مَجْهُولُونَ، فَروينَاهُ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْقَطِعًا، واعتمدنا عَلَى حَدِيث الْمَغَازِي عَامَّة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَام الْفَتْح: «لَا وَصِيَّة لوَارث». وَإِجْمَاع الْعلمَاء عَلَى القَوْل بِهِ. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي دَاوُد حديثَ أبي أُمَامَة السالف، ثمَّ ذكر عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: مَا رَوَى إِسْمَاعِيل عَن الشاميين صحيحٌ. قَالَ: وَكَذَا قَالَ البُخَارِيّ وَجَمَاعَة من الحُفَّاظ، وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل عَن شاميّ.
قلت: ظهر بِهَذَا أَن هَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي عناه الشافعيُّ بقوله: وَرَوَى بعض الشاميين حَدِيثا... إِلَى آخِره، وَقد صرَّح الْبَيْهَقِيّ بذلك فِي كتاب الْمعرفَة وَلَيْسَ فِي رِجَاله مَجْهُول، وَابْن عَيَّاش مَعْرُوف، وَرَوَاهُ عَن شاميّ، رِوَايَته صَحِيحَة عَنْهُم كَمَا سلف؛ وَلِهَذَا حسَّنه التِّرْمِذِيّ كَمَا قدّمناه عَنهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُويَّ من وَجه آخر من حَدِيث الشاميين. ثمَّ رَوَى حديثَ عَمرو بن خَارِجَة من وَجْهَيْن صَحِيح- كَمَا تقدم عَن التِّرْمِذِيّ وَمن وَافقه- وضعيفٌ، ثمَّ قَالَ: والاعتماد عَلَى مَا ذكره الشَّافِعِي عَن أهل الْمَغَازِي مَعَ إِجْمَاع الْعَامَّة عَلَى القَوْل بِهِ.
قلت: قد تقرر لَك من ثَلَاثَة أوجه قوته، وَعبارَة الشَّافِعِي فِي الْأُم: ورأيتُ متظاهرًا عِنْد عَامَّة مَنْ لقيتُ مِنْ أهل الْعلم بالمغازي أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي خطبَته عَام الْفَتْح: «أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث» وَلم أر بَين النَّاس فِي ذَلِك اخْتِلَافا. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: فَوَجَدنَا أهل الْفتيا وَمن حفظنا عَنهُ من أهل الْعلم بالمغازي من قُرَيْش وَغَيرهم، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ يَوْم الْفَتْح: «لَا وَصِيَّة لوَارث وَلَا يُقْتل مُسلم بِكَافِر» ويأمرون بِهِ عَمَّن حفظوه عَنهُ مِمَّن لقوه من أهل الْعلم بالمغازي. فَكَأَن هَذَا قَول عَامَّة عَن عَامَّة، وَكَانَ أَقْوَى فِي بعض الْأَمريْنِ نقل وَاحِد، وَكَذَلِكَ وجدنَا عَلَيْهِ أهل الْعلم مُجْمِعِينَ.
قلت: وَله طرق أُخْرَى:
أَحدهَا: من رِوَايَة جَابر رَفعه: «وَلَا وَصِيَّة لوَارث». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْهَرَوِيّ، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن جَابر بِهِ، ثمَّ قَالَ: الصَّوَاب مُرْسل وَقَالَ عبد الله بن عَلّي الْمَدِينِيّ: سَمِعت أبي يَقُول: أَبُو مُوسَى الْهَرَوِيّ أَي وَهُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَرَوَى عَن سُفْيَان عَن عَمرو عَن جَابر: «لَا وَصِيَّة لوَارث» وثَنَا بِهِ سفيانْ، عَن عَمرو مُرْسلا.
ثَانِيهَا: من رِوَايَة عليّ بن أبي طَالب رَفعه: «الدَّين قَبْلَ الْوَصِيَّة، وَلَيْسَ لوَارث وَصِيَّة».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي أُنيسة الْجَزرِي، عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عليٍّ بِهِ، وَيَحْيَى هَذَا مَتْرُوك، كَمَا قَالَه أَحْمد وغيرُه، وَعَاصِم فِيهِ مقَال.
ثَالِثهَا: من رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَفعه: «لَا وَصِيَّة لوَارث».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يُوسُف بن سعيد، ثَنَا عبد الله بن ربيعَة نَا مُحَمَّد بن مُسلم عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَاد جيد، وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث يُوسُف هَذَا، ثَنَا حجاج- هُوَ الْأَعْوَر- ثَنَا ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «لَا تجوز الْوَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة» وَهَذَا مُنْقَطع كَمَا سَيَأْتِي. وبالجُمْلة فالضعف فِي بعض طرقه يجْبر مَا فِيهَا الصحيحةُ والحسنةُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.

.الحديث العَاشِر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تجوز الْوَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة».
وَيروَى: «لَا وَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يجيزها الْوَرَثَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث حجاج، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَنهُ.
وَرَوَاهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُد فِي مراسيله بِاللَّفْظِ الثَّانِي من حَدِيث عَطاء بن أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا وَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة».
ثمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: عَطاء لم يدْرك ابْن عَبَّاس وَلم يره. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ لمَّا رَوَاهُ، وَبِهَذَا اللَّفْظ: عَطاء- هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِي- عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا وَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة».
قَالَه أَبُو دَاوُد وغيرُه، قَالَ: وَقد رُوي من وَجه آخر عَنهُ، وَرَوَاهُ عَن يُونُس بن رَاشد عَن عَطاء الْمَذْكُور، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «لَا تجوز وَصِيَّة..» الحَدِيث.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا مِنْ هَذَا الْوَجْه، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي غير قويّ.
قلت: هُوَ ثِقَة يُرْسل أخرج لَهُ الْجَمَاعَة، وَيُونُس بن رَاشد وثَّقه أَبُو زُرْعة، ورماه خَ بالإرجاء، زَاد النَّسَائِيّ: وَكَانَ دَاعِيَة. وَقَالَ عبد الْحق فِي الْأَحْكَام: عَطاء لم يدْرك ابْن عَبَّاس وَلم يره. قَالَ: وَوَصله يُونُس بن رَاشد؛ فَرَوَاهُ عَن عَطاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، وَالْمَشْهُور هُوَ الْمَقْطُوع. قَالَ ابْن الْقطَّان: لم يَعْزُ الْمَوْصُول وَلَا بَيَّن علته، وَفِيه يُونُس بن رَاشد قَاضِي حرَّان ثمَّ ذكر مِنْ حَاله مَا أسلفناه.
وَهَذَا الحَدِيث مَرْوي من غير طَرِيق ابْن عَبَّاس؛ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جّدِّه مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الثَّانِي، وَفِي إِسْنَاده سهل بن عمار، كذَّبه الْحَاكِم، واحتجاج ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه بِهِ وَبِالَّذِي قبله، ورده بهما عَلَى خصومه لَيْسَ بِجَيِّدٍ مِنْهُ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الْحسن، عَن عَمرو بن خَارِجَة رَفعه: «لَا وَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة».
وَإِسْمَاعِيل هَذَا ثِقَة، وَلَيْسَ بالمكيّ الضَّعِيف.
وَرَوَاهُ ابْن وهب، عَن عبد الله بن سمْعَان، وَعبد الْجَلِيل بن حميد الْيحصبِي، وَيَحْيَى بن أَيُّوب، وعُمر بن قيس سندل، قَالَ عُمر بن قيس: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح. وَقَالَ آخَرُونَ: ثَنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي حزم وَاتفقَ عطاءُ وعبدُ الله أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي خطبَته: «لَا تجوز وَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة». زَاد عَطاء فِي حَدِيثه: «وَإِن أَجَازُوا فَلَيْسَ لَهُم أَن يرجِعوا». وَهَذَا مُرْسل وفِي إِسْنَاده جمَاعَة ضعفاء.

.الحديث الحَادِي عشر:

عَن عمرَان بن حُصَيْن: «أَن رجلا أعتق سِتَّة مملوكين لَهُ، لم يكن لَهُ مَال غَيرهم، فَدَعَاهُمْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وجَزَّأهم أَثلَاثًا، ثمَّ أَقرع بَينهم، وَأعْتق اثْنَيْنِ، وأرق أربّعة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه كَذَلِك، وَهُوَ مَعْدُود فِي أَفْرَاده، وَزَاد فِي آخِره: «وَقَالَ لَهُ قولا شَدِيدا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن رجلا من الْأَنْصَار أَوْصَى عِنْد مَوته؛ فَأعتق سِتَّة مملوكين».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «لَو شهدته قبل أَن يُدْفن لم يُقْبر فِي مَقَابِر الْمُسلمين». وَفِي رِوَايَة للنسائي: «فَغَضب عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ ذَلِك، وَقَالَ: لقد هممتُ أَن لَا أُصَلِّي عَلَيْهِ. ثمَّ دَعَا مملوكيه، فجزَّأهم ثَلَاثَة أَجزَاء، ثمَّ أَقرع بَينهم...» الحديثَ.
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: «أَن رجلا أعتق عِنْد مَوته سِتَّة مملوكين لَهُ، فجَاء وَرَثَة من الْأَعْرَاب فَأخْبرُوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا صَنَعَ، قَالَ: أَوَ فَعَلَ ذَلِك؟! لَو علمنَا- إِن شَاءَ الله- مَا صلينَا عَلَيْهِ. فأقرع بَينهم...» الحَدِيث.

.الحديث الثَّانِي عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاة شاةٌ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا تقدَّم بَيَانه فِي كتاب الزَّكَاة..

.الحديث الثَّالِث عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَنْ أعتق رَقَبَة مسلمة أعتق الله بكلِّ عضوٍ مِنْهَا عضوا مِنْ النَّار».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِهَذَا اللَّفْظ، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وزادا فِي آخِره: «حتَّى فرجه بفرجه». وَفِي رِوَايَة لَهما: «مَنْ أعتق رَقَبَة مُؤمنَة أعتق الله بِكُل إرب مِنْهُ إرْبًَا من النَّار». وَفِي رِوَايَة لَهما: «أيُّما رجل أعْتق امْرَءًا مُسلما استنقذ الله بِكُل عضوٍ مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار».
قَالَ سعيد بن مرْجَانَة رَاوِيه عَن أبي هُرَيْرَة: فانطلقتُ حِين سمعتُ الحديثَ من أبي هُرَيْرَة؛ فذكرتُه لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن؛ فَأعتق عَبْدًَا لَهُ قد أعطَاهُ بِهِ عبد الله بن جَعْفَر عشرَة آلَاف دِرْهَم أَو ألْفَ دِينَار.
وَأخرج الترمذيُّ نَحوه من رِوَايَة أبي أُمَامَة وَصَححهُ وَأخرج أَحْمد ت د س ق مِثْله من حَدِيث كَعْب بن مرَّة، أَو مُرَّة بن كَعْب السّلمِيّ.

.الحديث الرَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن أفْضَلِ الرِّقاب، فَقَالَ: أكْثَرُها ثمنا، وأنفسها عِنْد أَهلهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أيُّ الْعَمَل أفضل؟ قَالَ: إيمانٌ بِاللَّه، وجهادٌ فِي سَبيله. قلت: فأيُّ الرّقاب أفضل؟ قَالَ: أغلاها ثمنا، وأنفسها عِنْد أَهلهَا. قلت: فَإِن لم أفعل؟ قَالَ: تعين صانعًا أَو تصنع لأخرق. قلت: فَإِن لم أفعل قَالَ: تَدَع النَّاس من الشرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَة تصدَّق بهَا عَلَى نَفسك».
وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ من حَدِيث عَائِشَة كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء، واختلفتِ الرِّوَايَة فِيهِ عَن مَالك فبعضهم رَوَاهُ عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَأَكْثَرهم رَوَاهُ عَن هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا. وَمن هَذَا الْوَجْه أخرجه الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم.

.الحديث الخَامِس عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «حق الجِوار أَرْبَعُونَ دَارا، هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَأَشَارَ قُدَّامًا وخَلْفًَا ويمينًا وَشمَالًا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن إِبْرَاهِيم بن مَرْوَان الدِّمَشْقِي، وَهُوَ صدوقٌ، حَدثنِي أبي- وَهُوَ من رجال مُسلم- قَالَ: ثَنَا هِقْل بن زِيَاد، ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب- وَمثلهمْ لَا يسْأَل عَنْهُم- قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَرْبَعُونَ دَارا جَار. قَالَ: قلتُ لِابْنِ شهَاب: وَكَيف أَرْبَعُونَ دَارا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ عَن يَمِينه وَعَن يسَاره وَخَلفه وَبَين يَدَيْهِ».
وَوَقع فِي التَّحْقِيق لِابْنِ الْجَوْزِيّ: بدل إِبْرَاهِيم بن مَرْوَان أَزْهَر بن مَرْوَان وَعَزاهُ إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد، وَهُوَ وهْم، فَالَّذِي فِيهِ إِنَّمَا هُوَ كَمَا أسلفناه، وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن مَرْوَان الطاطري الصدوق.
ولمّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي دَاوُد قَالَ: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف- يَعْنِي إرْسَال هَذَا الحَدِيث- قَالَ: ورُوي من وَجْهَيْن عَن عَائِشَة، أَحدهمَا: عَن الصَّهْبَاء عَنْهَا «قَالَت: يَا رَسُول الله مَا حق- أَو مَا حَدُّ- الجِوَار؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ دَارا».
وَثَانِيهمَا: عَن أُمِّ هَانِئ بنت أبي صفرَة عَنْهَا: أَنه- عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ- قَالَ: «أَوْصَانِي جِبْرِيل- عَلَيْهِ السَّلَام- بالجار إِلَى أَرْبَعِينَ دَارا، عَشرة من هَاهُنَا وَعشرَة من هَاهُنَا وَعشرَة من هَاهُنَا، وَعشرَة من هَاهُنَا».
قَالَ إِسْمَاعِيل بن سيف- أحد رُوَاته-: «عَن يَمِينه، وَعَن يسَاره، وقباله وَخَلفه».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وكلا الإسنادين ضَعِيف، وَالْمَعْرُوف مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله. يَعْنِي السالف.
قلت: ورُوي مَوْصُولا من وَجْهَيْن آخَرين:
أَحدهمَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، رَوَاهُ ابْنُ حبَان فِي الضُّعَفَاء من هَذَا الطَّرِيق، بِلَفْظ الرَّافِعِيّ السالف سَوَاء، ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده عبد السَّلَام بن أبي الْجنُوب. قَالَ: وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، يروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيث الاثبات، لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ لمُخَالفَة الْأَثْبَات فِي الرِّوَايَات.
ثَانِيهَا: من حَدِيث كَعْب بن مَالك، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَأَبُو بكر الرَّازِيّ، والسياق لَهُ عَنهُ: قَالَ: «أَتَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل فَقَالَ: إِنِّي نزلتُ مَحِلّة بني فلَان، وَإِن أَشَّدهم لي أَذَى أقربهم لي مِنْ جِوَاري، فَبعث النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر وعُمَر وعليًّا أَن يَأْتُوا أَبْوَاب الْمَسْجِد، فيقوموا عَلَيْهِ فيصيحوا: أَلا إِن أَرْبَعِينَ دَارا جِوار، وَلَا يدْخل الجنةَ من خَافَ جِوارُهُ بوائقه. قيل لِلزهْرِيِّ: أَرْبَعِينَ دَارا؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ هَكَذَا، وَأَرْبَعين هَكَذَا».
وَعَزاهُ بَعضهم إِلَى رِوَايَة مُحَمَّد بن أسلم الطوسي، وَفِيه: «أَلا إِن أَرْبَعِينَ دَارا جَار. قَالُوا: يَعْنِي أَرْبَعِينَ هَكَذَا يُمْنَةً، وَأَرْبَعين هَكَذَا يُسْرَةً، وَأَرْبَعين قُدَّامًا وَأَرْبَعين خلفا».